سورة الزخرف - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)}
وقوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتِ رَبّكَ} إنكار فيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم بنزول القرآن العظيم على من أرادوا، والرحمة يجوز أن يكون المراد بها ظاهرها وهو ظاهر كلام البحر ونزل تعيينهم لمن ينزل عليه الوحي منزلة التقسيم لها وتدخل النبوة فيها، ويجوز أن يكون المراد بها النبوة وهو الأنسب لما قبل وعليه أكثر المفسرين، وفي إضافة الرب إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من تشريفه عليه الصلاة والسلام ما فيه، وفي إضافة الرحمة إلى الرب إشارة إلى أنها من فات الربوبية {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ} أسباب معيشتهم.
وقرأ عبد الله. وابن عباس. والأعمش. وسفيان {معايشهم} على الجمع {يُؤْمِنُونَ وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم} قسمة تقتضيها مشيئتنا المبنية على الحكم والمصالح ولم نفوض أمرها إليهم علمًا منا بعجزهم عن تدبيرها بالكلية وإطلاق المعيشة يقتضي أن يكون حلالها وحرامها من الله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ} في الرزق وسائر مبادي المعاش {درجات} متفاوتة بحسب القرب والبعد حسا تقتضيه الحكمة فمن ضعيف وقوي وغني وفقير وخادم ومخدوم وحاكم ومحكوم {لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} ليستعمل بعضهم بعضًا في مصالحهم ويستخدموهم في مهنهم ويسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويترافدوا ويصلوا إلى مرافقهم لا لكمال في الموسع عليه ولا لنقص في المقتر عليه ولو فوضنا ذلك إلى تدبيرهم لضاعوا وهلكوا فإذا كانوا في تدبير خويصة أمرهم وما يصلحهم من متاع الدنيا وهو على طرف التمام بهذه الحالة فما ظنهم بأنفسهم في تدبير أمر الدين وهو أبعد من مناط العيوق ومن أين لهم البحث عن أمر النبوة والتخير لها من يصلح لها ويقوم بأمرها، والسخري على ما سمعت نسبة إلى السخرة وهي التذليل والتكليف، وقال الراغب: السخري هو الذي يقهر أن يتسخر بإرادته، وزعم بعضهم أنه هنا من السخر عنى الهزء أي ليهزأ الغني بالفقير واستبعده أبو حيان، وقال السمين: إنه غير مناسب للمقام.
وقرأ عمرو بن ميمون. وابن محيصن: وابن أبي ليلى. وأبو رجاء. والوليد بن مسلم {سِخْرِيًّا} بكسر السين والمراد به ما ذكرنا أيضًا، وفي قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا} إلخ ما يزهد في الانكباب على طلب الدنيا ويعين على التوكل على الله عز وجل والانقطاع إليه جل جلاله:
فاعتبر نحن قسمنا بينهم *** تلقه حقًا وبالحق نزل
{إِنَّ رَبَّكَ} أي النبوة وما يتبعها من سعادة الدارين، وقيل: الهداية والايمان، وقال قتادة. والسدي: الجنة {خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} من حطام الدنيا الدنية فالعظيم من رزق تلك الرحمة دون ذلك الحطام الدنىء الفاني.


{وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)}
{وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} استئناف مبين لحقارة متاع الدنيا ودناءة قدره عند الله عز وجل، والمعنى أن حقارة شأنه بحيث لولا كراهة أن يجتمع الناس على الكفر ويطبقوا عليه لأعطيناه على أتم وجه من هو شر الخلائق وأدناهم منزلة، فكراهة الاجتماع على الكفر هي المانعة من تمتيع كل كافر والبسط عليه لا أن المانع كون متاع الدنيا له قدر عندنا، والكراهة المذكورة هي وجه الحكمة في ترك تنعيم كل كافر وبسط الرزق عليه فلا محذور في تقديرها؛ وليس ذلك مبنيًا على وجوب رعاية المصلحة وإرادة الايمان من الخلق ليكون اعتزالًا كما ظن. وكأن وجه كون البسط على الكفار سببًا للاجتماع على الكفر مزيد حب الناس للدنيا فإذا رأوا ذلك كفروا لينالوها، وهذا على معنى أن الله تعالى شأنه علم أنه لو فعل ذلك لدعا الناس إذ ذاك حبهم للدنيا إلى الكفر، فلا يقال: إن كثيرًا من الناس اليوم يتحقق الغنى التام لو كفر ولا يكفر ولو أكره عليه بالقتل، وكون المراد بالأمر الواحد الذي يقتضيه كونهم أمة واحدة فإنه عنى اجتماعهم على أمر واحد الكفر بقرينة الجواب، و{لِبُيُوتِهِمْ} بدل اشتمال من قوله تعالى: {لِمَن يَكْفُرُ} واللام فيهما للاختصاص أو هما متعلقان بالفعل لا على البدلية ولام لمن صلة الفعل لتعديه باللام فهو نزلة المفعول به ولام {لِبُيُوتِهِمْ} للتعليل فهو نزلة المفعول له، ويجوز أن تكون الأولى للملك والثانية للاختصاص كما في قولك: وهبت الحبل لزيد لدابته وإليه ذهب ابن عطية، ولا يجوز على تقدير اختلاف اللامين معنى البدلية إذ مقتضى إعادة العامل في البدل الاتحاد في المعنى وإلى هذا ذهب أبو حيان، وقال الخفاجي: لا مانع من أن يبدل المجموع من المجموع بدون اعتبار إعادة، والسقف جمع سقف كرهن جمع رهن، وعن الفراء أنه جمع سقيفة كسفن جمع سفينة، والمعارج جمع معرج وو عطف على {سَقْفًا} أي ولجعلنا لهم مصاعد عليها يعلون السطوح والعلالي وكأن المراد معارج من فضة بناء على أن العطف ظاهر في التشريك في القيد وإن تقدم، وقال أبو حيان: لا يتعين ذلك، وقرأ أبو رجاء {سَقْفًا} بضم السين وسكون القاف تخفيفًا وفي البحر هي لغة تميم.
وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو بفتح السين والسكون على الأفراد لأنهم اسم جنس يطلق على الواحد وما فوقه وهو المراد بقرينة البيوت؛ وقرئ بفتح السين والقاف وهي لغة في سقف وليس ذلك تحريك ساكن لأنه لا وجه له.
وقرىء {سقوفًا} وهو جمع سقف كفلوس جمع فلس، وقرأ طلحة {معاريج}.


{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34)}
{يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ} أي ولجعلنا لبيوتهم، وتكرير ذكر بيوتهم لزيادة التقرير ولأنه ابتداء أية {أبوابا وَسُرُرًا} أي من فضة على ما سمعت، وقرئ {سررًا} بفتح السين والراء وهي لغة لبني تميم وبعض كلب وذلك في جمع فعيل المضعف إذا كان اسمًا باتفاق وصفة نحو ثوب جديد وثياب جدد باختلاف بين النحاة {وَجَدْنَا عَلَيْهَا} أي على السرر {يَتَّكِئُونَ} كما هو شأن الملوك لا يهمهم شيء.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14